صلاحيات المحقق في القانون العراقي ( التحقيق الإبتدائي )
بواسطة باحث قانوني
صلاحيات المحقق في القانون العراقي – محاماة نت
الصلاحيات و الإمتيازات التي منحها القانون العراقي للمحقق اثناء التحقيق
أعطى قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل النافذ صلاحيات وسلطات واسعة للمحقق في القيام باعمال واجراءات التحقيق الابتدائي ، ومنحهم ثقة كبرى الى حدود اعطائهم سلطات شبه قضائية كتوقيف المتهم في جناية في الاماكن النائية واطلاق سراح المتهم بجنحة في تلك الاماكن ، واصدار الامر للمسؤول في مركز الشرطة لاجراء التحقيق ، وانتداب الخبراء وغيرها ، الا ان هذا الدور وتلك الثقة صادرتها الاعراف التحقيقية ، وعٌطلت الكثير منها ، اما بسبب ترك استعمالها ، او باعادتها وتكرارها ، او بالتعارف على وجوب جعل التحقيق في كل صغيرة وكبيرة مستندا الى قرارات قضائية رغم عدم حاجته لذلك ، فأدى كل ذلك الى نتائج سلبية في ميدان التحقيق في الجرائم ، كان لها اثرها السئ على تضخم اعمال القضاة والمحققين وتأخير الفصل في الدعاوى وارهاق الخصوم بما لا طائل تحته .
ومن اجل الوقوف على تفاصيل هذا الموضوع سنبحث في تحديد دور المحقق في التحقيق الابتدائي كما قرره القانون ، ثم نبحث في مظاهر مصادرة ذلك الدور من حيث واقع العمل التحقيقي في العراق ، وبيان الاثار السلبية لذلك ، من اجل تحديد دور اكثر وضوحا وقانونية للمحقق ، بما يضمن انسيابية العمل التحقيقي وقانونيته .
المبحث الاول
تحديد دور المحقق في التحقيق الابتدائي
طبقا لاحكام القانون
للحصول على استشارة مجانية تفضل الى رقم مكافحة الابتزاز |
نصت المادة ( 51 / أ ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية :- ( يتولى التحقيق الابتدائي قاضي التحقيق وكذلك المحققون تحت اشراف قضاة التحقيق . )
فالاصل ان التحقيق الابتدائي يقوم به احد اثنين هما :-
1- قاضي التحقيق .
2- المحقق تحت اشراف قضاة التحقيق .
ومن البديهي ان نقول ان من اعطاه القانون سلطة اجراء التحقيق الابتدائي ، فله القيام بكل اجراءاته وكل ما يقتضيه لانجاز ذلك التحقيق كاصل عام ، الا اذا ورد نص خاص في تحديد او اسناد احد اجراءاته الى جهة معينة ، فيكون للمحقق في الاصل نفس صلاحية القاضي في اجراء التحقيق الابتدائي وفقا لحكم المادة ( 51 ) المذكورة انفا ، الا اذا نص القانون على خلاف ذلك ، ولكنه دائما تحت اشراف القاضي .
فما هي حدود صلاحيات المحقق التفصيلية في القيام باجراءات التحقيق الابتدائي ، وما هي الاجراءات التي لا يستطيع القيام به ، وما معنى انه ( يتولى التحقيق تحت اشراف قضاة التحقيق ) ؟
النص المشار اليه انفا قاطع في الدلالة على ان التحقيق الابتدائي اما ان يقوم به ( قاضي التحقيق او المحقق ) و حرف ( او ) في النص لا شك انه يعني ان يقوم به احدهما فاما ان يختار قاضي التحقيق ان يقوم به بنفسه او ان يختار تركه للمحقق ولكن تحت اشرافه ، فاذا تولى المحقق اجراءات التحقيق اغنى القاضي من ان يقوم به او يعيد اجراءاته لان النص اختار القيام به من احدهما وليس كلاهما .
الحقيقية ان قانون اصول المحاكمات الجزائية لم يكتف بوضع قاعدة عامة بشأن تحديد الاشخاص الذين لهم سلطة اجراء التحقيق الابتدائي بشكل عام وفق نص المادة ( 51 /أ ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية ، بل انه فصل في احكامه وبين كيفية القيام باجراءاته واعماله وكيفية اتخاذ القرارات في شؤونه ، ونهج في ذلك منهجين :-
النهج الاول :- حدد فيه الاجراء المطلوب وحدد معه من يصلح للقيام به . وفي هذا الموقف انتهج نوعين مــن التحديد :-
أ- ان يحدد الاجراء او العمل و يعهد امر القيام به الى جهة واحدة ، ويمنع سواها منه ، كما فعل فـــــي المادة ( 92 ) منه التي نصت :- ( لا يجوز القبض على أي شخص او توقيفه الا بمقتضى امر صادر من قاض او محكمة او في الاحوال التي يجيزها القانون ) فالنص حدد بان ( امر القبض او التوقيف ) يصدره قاض او محكمة حصرا ، ولا يمكن لغيرهما اصداره الا اذا وجد نص خاص ، كمثل نص المادة ( 112 ) مــــــــــن القانون :- ( على المحقق في الاماكن النائية عن مركز دائرة القاضي ان يوقف المتهم في الجنايات ، اما الجنح فعليه ان يطلق سراح المتهم فيها بكفالة وعليه في كل الاحوال ان يعرض الامر على القاضي باسرع وسيلة ممكنة وينفذ ما يقرره في ذلك ) .
وكما فعل بنص المادة ( 76 ) منه التي نصت :- ( اذا تراءى لقاضي التحقيق بناء على اخبار او قرينة ان مسكنا او أي مكان اخر يستعمل لحفظ مال مسروق او بيعه او توجد فيه اشياء ارتكبت بها او عليها جريمة او يوجد فيها شخص محجوز بغير حق او شخص ارتكب جريمة فله ان يقرر تفتيش ذلك المسكن ويتخذ الاجراءات القانونية بشأن تلك الاموال والاشخاص سواء كان المكان تحت حيازة المتهم او حيازة غيره ) ، فليس لغير القاضي ممارسة هذه السلطة ، فلا يستطيع المحقق اتخاذ قرار التفتيش وفقا لهذا النص ، ولو توفرت شروطه لديه ، مهما كانت المبررات ، رغم انه كاصل عام له سلطة القيام باجراءات التحقيق كلها ، لان ذلك مقيد بتحديد القانون للشخص القائم بالاجراء الذي خصه القانون بنص خاص فلا يحق لغير ذلك الشخص القيام بالاجراء او اتخاذ ذلك القرار . ومثل ذلك نص المادة ( 71 ) مـــــــــــن القانون موضوع البحث التي نصت :- ( لقاضي التحقيق اذا اقتضى الحال ان يأذن بفتح قبر للكشف على جثة ميت بواسطة خبير او طبيب مختص بحضور من يمكن حضوره من ذوي العلاقة لمعرفة اسباب الوفاة ) .
ب- ان يحدد الاجراء او القرار او العمل ويحدد من يصلح للقيام به ولكنه لا يودعه الى جهة واحدة ويمنع غيرها منه ، بل يعطي سلطة القيام بها الى جهتين او اكثر، يكفي قيام احدهما فيه ليغني في تحقيق الغاية ، كما فعل في المادة ( 59 / أ ) من القانون المذكور التي نصت :- ( يدعى الشهود من قبل القاضي او المحقق للحضور اثناء التحقيق بورقة تكليف بالحضور … ) فالنص حدد الاجراء وهو ( دعوة الشهود للحضور اثناء التحقيق بورقة تكليف بالحضور ) ثم حدد من له القيام به ، وهما اما قاضي التحقيق او المحقق ، وكما فعل بالمادة ( 69 / أ ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي نصت :- ( يجوز للقاضي او المحقق من تلقاء نفسه او بناء على طلب الخصوم ان يندب خبيرا او اكثر لابداء الرأي في ما له صلة بالجريمة التي يجري التحقيق فيها . ) ، وكما فعل بنص المادة ( 87 ) منه :- ( للمحكمة ولقاضي التحقيق او المحقق او المسؤول في مركز الشرطة ان يصدر ورقة تكليف بالحضور للمتهم او الشاهد … ) ، ومثل ذلك المادة ( 57 / أ ) منه التي نصت :- ( للمتهم وللمشتكي وللمدعي بالحق المدني وللمسؤول مدنيا عن فعل المتهم ووكلائهم ان يحضروا اجراءات التحقيق ، وللقاضي او المحقق ان يمنع ايا منهم من الحضور اذا اقتضى الامر ذلك لاسباب يدونها في المحضر … ) ، ولان المحقق – كالقاضي -اعطاه القانون سلطة اجراء التحقيق فله القيام بهذا النوع من الاجراءات التحقيقية ، ويكون ذلك مغنيا في سلامة الاجراء وصحته ، دون ان تكون هناك ضرورة لاعادتها من قاضي التحقيق ، لان النص اشار الى اتخاذ الاجر من احدهما فاستخدم لفظ ( القاضي او المحقق ) ولم ينص على ان يقوم بالعمل ( القاضي و المحقق ) .
النهج الثاني :- حدد الاجراء دون ذكر من يصلح للقيام به ، كما فعل في المادة ( 58 ) من من قانون اصول المحاكمات التي نصت :- ( يشرع في التحقيق بتدوين افادة المشتكي او المخبر ثم شهادة المجنى عليه وشهود الاثبات الاخرين ومن يطلب الخصوم سماع شهاداتهم ، وكذلك شهادة من يتقدم من تلقاء نفسه للادلاء بمعلوماته اذا كانت تفيد التحقيق وشهادة الاشخاص الذين يصل الى علم القاضي او المحقق ان لهم معلومات تتعلق بالحادث . ) فالنص في صدره حدد العمل التحقيقي وهو ( تدوين افادة ستة انواع من الاشخاص هم :- 1- المشتكي او المخبر . 2- المجنى عليه . 3- شهود الاثبات . 4- من يطلب الخصوم سماع شهاداتهم . 5- من يتقدم من تلقاء نفسه للشهادة . 6- من يصل بعلم القاضي او المحقق ان له معلومات تتعلق بالحادث . ) الا ان القانون سكت عن تحديد من يقوم بالتدوين ، وفي مثل هذه الحالة يكون الحل في تحديد من يقوم بمثل تلك الاجراءات بالرجوع الى القاعدة العامة ، وهي ان التحقيق يجريه قاضي التحقيق او المحقق تحت اشراف القضاة ، فيكون حكمها ان يجريها اما قاضي او المحقق احدهما ، باعتبار ان تلك الاجراءات من اجراءات او اعمال التحقيق فلابد من ان يعهد امر القيام بها الى من عهد له القانون بسلطة اجراء التحقيق .
ومثل ذلك النص ما جاءت به المادة ( 125 ) من القانون التي نصت :- ( اذا تبين ان للمتهم شهادة ضد متهم اخر فتدون شهادته وتفرق دعوى كل منهما . ) فالنص حدد اجراءاين هما:- 1- تدوين افادة المتهم كشاهد اذا كانت له شهادة ضد متهم اخر . 2- تفريق دعوى المتهم الشاهد عن المتهم المشهود ضده ) الا ان النص لم يحدد من يقوم بهذا الاجراء ، فيكون خاضعا للقاعدة العام ، في انهما يجب القيام بهما اما من القاضي او المحقق . ومثل ذلك ايضا نص المادة ( 128 / ج ) من القانون :- ( تدون في المحضر الشهادات التي طلب المتهم استماعها لنفي الجريمة عنه ويحقق في الادلة الاخرى التي قدمها الا اذا ظهر للقاضي ان طلب المتهم يتعذر تنفيذه او انه يقصد به تأخير سير التحقيق بلا مبرر او تضليل القضاء . ) .
الا ان القانون اغفل ذكر بعض الاجراءات التحقيقية نهائيا رغم ان اسس العمل التحقيقي والقضائي يفرضها من الناحية العملية ، كـ ( فرد اوراق تحقيقية لكل جريمة اذا تضمن الاخبار اكثر من جريمة ليس بينهما الصلة التي تجيز احالتها الى محكمة الموضوع في دعوى واحدة ) ، واجراء كشف الدلالة للمتهم المعترف ( المقر بالجريمة ) ، وتشخيص المتهم من قبل المشتكي او الشاهد او المخبر ، فمـــــن يصلح للقيام بمثل تلك الاجراءات ؟
الحقيقية ان حكم مثل تلك الاجراءات هو حكم الاجرءات التي ذكرها القانون ولم يحدد جهة القيام بها ، فيصح ان يقوم بها اما قاضي التحقيق او المحقق وقيام احدهما بالاجراء يغني عن قيام الاخر به .
والخلاصة ان للمحقق سلطة او صلاحية القيام بكل اجراءات التحقيق كاصل عام ، والاستثناء انه يمنع من القيام ببعض اجراءات التحقيق في حالة واحدة هي حينما يحدد القانون الاجراء ويحدد جهة معينة للقيام بها دون ان تكون المحقق .
فللمحقق – اذن – ان يقوم بالاعمال او الاجراءات التحقيقية الاتية :- أ- التي ذكرها القانون واعطاه سلطة القيام بها . ب- التي ذكرها القانون و لم ينص على تحديد جهة للقيام بها . ج- التي لم يذكرها القانون اصلا .
فما هي الاجراءات او الاعمال التي لا يستطيع المحقق مباشرتها من اعمال واجراءات التحقيق الابتدائي والتي حددناها بانها التي ذكرها القانون وحدد جهة معينة للقيام بها دون المحقق ؟
يمكن تحديد تلك الاعمال والاجراءات تحديدا قاطعا لانها جاءت على سبيل الحصر في القانون ، ولانها استثناء من الاصل العام ، ولا يجوز بالتالي التوسع في تفسيرها وهي :-
1- اصدار اوامر القبض على المتهمين او الشهود وفقـــــــــــــا لنصوص المواد ( 59 / ج ) و ( 59 ) و ( 98 ) الاصولية .
2- توقيف المتهم واخلاء سبيله ، ويشمل ذلك اصدار القرار بتوقيفه او اصدار القرار باطلاق سراح بكفالة او بدونها او لقاء تعهد شخصي ، باستثناء ما نصت عليه المادة ( 112 ) من القانون .
3- اصدار قرار التفتيش وفقا للمادتين ( 75 ) و ( 76 ) من القانون والبت بالاعتراضات على اجراءاته وفقا لنص المادة ( 86 ) الاصولية .
4- اصدار اوامر للاشخاص بتقديم الاشياء او الاوراق المفيدة في التحقيق الموجودة في حيازتهم وفقا لنص المادة ( 74 ) من القانون .
5- اصدار القرار بفتح القبر وفقا لنص المادة ( 71 ) الاصولية .
6- تدوين الشهادات المهمة في الجنايات . لكن ما هو الموقف من قيام المحقق بتدوين الشهادات المهمة في الجنايات قبل القاضي – وفق ما سار عليه العرف التحقيقي – رغم ان القانون حصر القيام بهذا الاجراء بالقاضي فقط ؟ وما هي حجية الافادة التي دونها المحقق او الضابط ؟ فما هو الموقف اذا رجع الشاهد عنها ؟ او جاء بما هو مخالف لها تماما ؟
7- تدوين افادة المتهم باية جريمة ولو كانت مخالفة اذا تضمنت اقرار بارتكابها وفقا لنص المادة ( 128 / ب ) الاصولية .
8- حجز اموال المتهم بارتكاب جناية المتعذر القاء القبض عليه وفقا لنص المادة ( 121 ) الاصولية .
9- حجز اموال المتهم بجناية وقعت على مال منقول او غير منقول ، ووضع الحجز الاحتياطي على اموال المتهم باحدى الجرائم الماسة بامن الدولة الخارجي او الداخلي او بجريمة واقعة على حقوق او اموال الدولة وما هو في حكمها وفقا لنصوص المواد 183 و 184 الاصولية .
10- قبول الصلح وفقا لنص المادة ( 194 ) و ( 197 ) الاصولية .
11- عرض العفو وفقا لنص المادة 129 الاصولية .
12- احالة اوراق التحقيق في الجريمة الى قاضي التحقيق المختص مكانيا وفقا لنص المادة ( 53 / ج ) وعرض الامر على المحكمة المختصة لتعيين القاضي المختص اذا وجد القاضي المحال اليه الدعوى بانه غير مختص مكانيا بالتحقيق وفقا لنص الفقرة ( د ) من المادة ذاتها .
13- الانتقال الى خارج منطقة اختصاصه لاتخاذ أي اجراء من اجراءات التحقيق اذا اقتضت ضرورة التحقيق ذلك وفقا لنص المادة ( 56 / أ ) من قانون اصول المحاكمــات .
14- اعطاء صور من الاوراق التحقيقية للمتهم او المشتكي او المدعي بالحق المدني او المسؤول مدنيا او وكلائهم وفقا لنص المادة ( 57 / ب ) .
15- الاذن لغير المتهم والمشتكي والمدعي المدني والمسؤول مدنيا ووكلائهم حضور التحقيق .
16- تعيين ممثل للمجنى عليه اذا تعارضت مصلحته مع مصلحة من يمثله او اذا لم يكن له من يمثله ( المادة ( 5 ) الاصولية ، وتعيين من يتولى الادعاء بالحق المدني نيابة عن المتضرر من الجريمة اذا لم يكن اهلا للتقاضي ولم يكن له من يمثله طبقا لنص المادة ( 11 ) الاصولية ، وتعيين من يمثل المتهم اذا رفعت الدعوى المدنية تبعا للدعوى الجزائية اذا لم يكن اهلا للتقاضي ولم يكن له من يمثله طبقا لنص المادة 12 الاصولية .
17- تقدير اجور الخبير وفقا لنص المادة ( 69 ) من القانون ، اذ يستطيع المحقق ندب الخبير الا انه لا يستطيع تقدير اجوره بل يتوجب به ان يلجأ الى قاضي التحقيق لتقديرها وفقا للبند ( ج ) من المادة المذكورة الذي نص ( للقاضي ان يقدر اجورا للخبير تتحملها الخزينة على ان لا يغالى في مقدارها .
18- تقدير مصاريف سفر الشاهد والنفقات الضرورية التي استلزمها وجوده بعيدا عن محل اقامته والاجور التي حرم منها بسبب ذلك والامر بصرفها من حساب الخزينة وفقا لنص المادة ( 66 ) الاصولية .
19- اصدار قرارت الفصل بمصير الدعوى التحقيقية كرفض الشكوى وغلق الدعوى نهائيا والاحالة الى محكمة الموضوع والافراج عن المتهم وغلق الدعوى مؤقتا ، وغلق الدعوى مؤقتا لمجهولية الفاعل او وقوع الحادث قضاءا وقدرا ، والفصل في جرائم المخالفات فورا وفقا لنصوص المواد ( 8 ) و ( 130 )و (134 / د ) الاصولية .
المبحث الثاني
مظاهر مصادرة دور المحقق
في التحقيق الابتدائي
ما ذكرناه انفا هي الحدود القانونية لصلاحيات المحقق في القيام باعمال واجراءات التحقيق الا انها في الحقيقية قد صودر معظمها على ارض الواقع العملي بسبب الاعراف التحقيقية الخاطئة ، التي تعود بالاساس الى مصادر واسباب تأريخية . وسنتناول في هذا المبحث اشكال مصادرة دور المحقق ، ثم نبحث في اسبابه و اثاره السلبية .
المطلب الاول
اشكال مصادرة دور المحقق
صادرت الاعراف التحقيقية الخاطئة دور المحقق بثلاثة اشكال :-
الشكل الاول:- ان هناك صلاحيات تحقيقية كبرى اعطاها القانون للمحقق عطلها العرف التحقيقي الخاطئ حتى ترك استخدامها بشكل شبه كامل ، منها :-
1- سلطة المحقق في اصدار امر الى المسؤول في مركز الشرطة للتحقيق في اية جريمة طبقا لما نصت عليه المادة ( 50 ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية :- ( اسثناء من الفقرة الاولى مــــن المادة ( 49 ) يقوم المسؤول في مركز الشرطة بالتحقيق في اية جريمة اذا صدر اليه امر من قاضي التحقيق او المحقق … ) .
2- سلطة المحقق في انتداب الخبير او الخبراء . على ان يقدر قاضي التحقيق اجورهم وفقا لنص المادة ( 69 ) الاصولية .
3- سلطة استقدام المتهم بورقة تكليف بالحضور دون حاجة الى قرار قضائي وفقا لنص المادة ( 87 ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية .
4- احالة المتهم في مخالفة الى محكمة الموضوع بامر من المحقق بدعوى موجـــــزة وفقا لنص المادة ( 134 / ج ) الاصولية .
5- حصر سلطة تلقي الشكوى الجزائية بقاضي التحقيق وتعطيل متبقي المادة ( 1 ) الاصولية .
6- منع فرد الاوراق التحقيقية الا بقرار قضائي رغم انه اجراء لم ينص القانون على حصره بيد القضاة .
الشكل الثاني :– هو ما استقر عليه العرف التحقيقي في العراق باعادة كثير من الاعمال والاجراءات التحقيقية التي يقوم بها المحقق من قبل قضاة التحقيق دون ان يكون هناك مبرر لاعادتها ، واهمها :-
1- اعادة تدوين اقوال المشتكي او المخبر او الشهود في غير الشهادات المهمة في الجنايات ، اذ ان احكام قانون اصول المحاكمات الجزائية لا توجب تدوين اقوال تلك الفئات المذكورة من قاضي التحقيق الا في حالة الشهادات المهمة في الجنايات ، طبقا لنص المادة ( 61 / د ) الاصولية وما عداها فيكفي تدوينها من قبل المحقق ولا مبرر لاعادة تدوينها من قبل قاضي التحقيق .
2- اعادة استجواب او تدوين اقوال المتهمين في غير حالة الاعتراف بالجريمة ، فلا يوجب القانون تدوين اقوال المتهم او استجوابه من قبل القاضي في جميع انواع الجرائم مهما كانت خطيرة ، الا اذا اعترف بالجريمة فيتوجب تدوين اقواله حصريا من قبل القاضي وفقا لنص المادة ( 128 / ب ) الاصولية ، اما استجوابه وتدوين اقواله في غير حالة الاعتراف بجميع انواع الجرائم فان القانون نص على ان يقوم بها اما قاضي التحقيق او المحق طبقا لنص المادتين 123 و 128 / أ الاصولية واذا قام بالاجراء احدهما فلا مبرر لاعادته من الاخر .
3- الاصرار على تدوين اقوال المدعين بالحق المدني بلا طلب ([1] )منهم بضمنهم ممثلي الوزارات ومؤسسات القطاع العام ، والاصرار على اعادة تدوين اقوالهم بصفتهم تلك ( مدعين بالحق المدنـــي او الشخصي ) بعد تدوينها من قبل المحقق ، رغم عدم وجود نص على تدوين اقوالهم اصلا ، ورغم عدم حمل هؤلاء صفة الشاهد او المشتكي او المخبر فيها .
ان العمل بالعرف التحقيقي القاضي باعادة الاجراءات التحقيقية التي قام بها المحقق هو من اخطر واسوء مظاهر مصادرة دور المحقق ولها اثار سيئة جدا على العمل التحقيقي والقضائي ، ونستند في عدم قانونيتها الى الحجج الاتية :-
1- ان القانون حينما ينص على ان يقوم بالعمل او الاجراء التحقيقي قاضي التحقيق او المحقق ، فيعني ذلك ان يقوم به احدهما فيكون مغنيا عن ان يعيده الاخر .
2- ان نصوص قانون اصول المحاكمات الجزائية من النظام العام فلا تجوز مخالفتها او العمل بغير الاسلوب او الطريقة التي جاءت بها ، بالتالي فانها حينما تقضي بتدوين اقوال الشهود – في غير الشهادت المهمة في الجنايات – والمشتكين والمخبرين والمتهمين – في غير حالة الاقرار بالجريمة – من قاضي التحقيق او المحقق ، فيتوجب الالتزام بتدوين اقوالهم من احدهما ، ولا يجوز القيام بتدوين اقوالهم من قبلهما كليهما ، لان ذلك مخالف للنص ، لانه حدد الطريقة وهي تدوين الاقوال بواسطة ( قاضي التحقيق او المحقق ) ولم يحددها بتدوينها من ( قاضي و المحقق ) والفرق كبير بين الامرين . وذلك الحكم يستقى من مفهوم المادة ( 51 / أ ) الاصولية التي امرت بان يتولى التحقيق قاضي التحقيق او المحقق ولم تنص على ان يتولاه قاضي التحقيق والمحقق ، وكذلك يستقى من النصوص التفصيلية التي جاء بها القانون في ان الاجراء ينبغي القيام به من احدهما لا كلاهما .
3- ان اعادة تدوين اقوال الشهود والمشتكين والمخبرين والمتهمين – في غير الحالات التي اوجب قيام قاضي التحقيق بها حصريا – يقع في عيب تأخر تدوين اقوالهم من قضاة التحقيق لفترات قد تستمر اشهر او سنين احيانا ، ولا يخفى ما في ذلك من احتمال النسيان او التأثير على الشاهد او المشتكي او المخبر او تلقين المتهم باقوال او مواقف معينة اخفاء للوقائع والحقائق وتبريرا للادلة المتوفرة .
4- ان موقف اعادة التدوين واعادة اجراءات المحقق من قبل القضاة سببه الاساس عدم الثقة بالقائم بالتحقيق ( ضباط الشرطة ومفوضيها والمحققين ) ، الا ان المحقق ينبغي اخراجه من هذه الدائرة لانه يحمل شهادة تعادل شهادة القاضي غالبا ( بكلوريوس القانون ) وهو يؤدي يمينا مثله ([2])، ولا يقف بينه وبين القضاء سوى اصدار مرسوم جمهوري ، وكثير من المحققيين كانوا في يوم يمارس عمله كمحقق ثم باشر في اليوم التالي كقاض ، فهل يقبل ان يقال بانه لم يكن ثقة قبل يوم ، ثم اصبح ثقة في اليوم التالي .
الشكل الثالث :- هو منع المحقق من القيام باي اجراء تحقيقي الا بالاستناد الى قرار قضائي ، وكان ذلك مصادرة كاملة لسلطات وصلاحيات المحقق التي منحها اياه القانون ، فادى ذلك الى :-
1- حول المحققين الى مجرد منفذين للقرارت القضائية بلا ابداع ولا تفكير ولا مبادرة فليس لهم الا تعطيل عقولهم ومهاراتهم لينفذوا ما يقرره القاضي ولو كان كفرا مما جعل معظمهم موظفين اتكاليين كسالى غير مبدعين .
2- خسارة التحقيق دور المحققين الايجابي
3- تأخير التحقيق .
4- تعقيد الاجراءات لايداعها كلها بيد القاضي .
5- ترسيخ قيم التهرب من المسؤولية لدى المحققين .
6- اضفى صفة ادارية روتينة على قرارات قضاة التحقيق مما افقدها هيبتها واهميتها، فبدلا ان ينحصر دور القاضي في الاجراءات او القرارات ذات الصفة القضائية المحضة ، اضحى ذات طبيعة ادارية روتينة لخلو معظم القرارات من الطبيعة القضائية . مثل ( تدون اقوال المتهم او الشاهد ويحضر امامي لتدوين اقواله ) او ( تربط صحيفة سوابق المتهم ) او ( يربط التقرير الطبي التشريحي ) او ( يربط التقرير النهائي ) او ( تفرد اوراق تحقيقية .. ) … الخ .
المطلب الثاني
اسباب مصادرة دور المحقق واثاره السلبية
نشأت الاعراف التحقيقية الخاطئة التي صادرت دور المحقق لاسباب تعلق معظمها مبررات تاريخية نلخصها بالاتي :-
1- ايداع التحقيق في العراق غالبا الى ضباط الشرطة ومفوضيها وهم جهة غير متخصصة من ناحية التخصص العملي .
2- عدم ثقة القضاء العراقي بزاهة القائمين بالتحقيق ( خاصة منتسبي الشرطة ) بما جعلهم يصرون على انتزاع صلاحياتهم التحقيقية ومنعهم من ممارستها .
3- ضعف المستوى العملي للمحققين والقائمين بالتحقيق عموما ، وتدني مستوى خبراتهم العملية .
4- اهمال المحققون والقائمون بالتحقيق ممارسة صلاحياتهم التي منحهم اياها القانون كانتداب الخبراء حتى اضحت من المستغربات المتروكة .
5- اتكالية المحققين والقائمين بالتحقيق ، واعتمادهم على قرارات قضاة التحقيق في كل صغيرة وكبيرة حتى في الامور التي يستطيعون القيام بها دون قرارات قضائية .
6- خوف المحققين والقائمين بالتحقيق من تحمل مسؤولية القرار او الاجراء التحقيقي ولو كان ضمن صلاحياتهم وسلطاتهم ، وتفضيلهم شرعنته بقرارات قضاة التحقيق لضمان عدم مساءلتهم .
ويتحمل القضاء خاصة قضاة التحقيق جزء كبير من مسؤولية اقرار تلك الاعراف التحقيقية الخاطئة من خلال مسايرة هذه الاعراف وشرعنتها الى حد انها حلت محل القانون واضحت اعلى منه .
وقد كان لتلك الاعراف الخاطئة اثار سلبية على التحقيق وعلى نجاعة وسرعة ملاحقة المجرمين اهمها ما يأتي :-
1- تضخم عمل قضاة التحقيق تضخما هائلا بسبب الاصرار على عرض كل صغيرة وكبيرة في الاجراءات التحقيقية عليهم حتى الامور التافة ، وبسبب اعادة الاجراءات التحقيقية التي قام بها المحقق . خاصة اعادة تدوين اقوال اطراف الدعوى الجزائية والمدعين بالحق المدني ( وهم ليسوا الا طرف في الدعوى المدنية التي ترفع تبعا للدعوى الجزائية ، وليسوا اطرفا في الدعوى الجزائية الاصلية ) .
2- تضخم الدعوى الجزائية تضخما كبير بسبب اعادة الاجراءات التحقيقية وتدوين الاقوال .
3- فرض نوع من الروتين الملل في العمل التحقيقي ، واضفاء صفة غير قضائية في متابعات القضاة كاصرارهم على احضار اطراف الدعوى امامهم لاعادة تدوين اقوالهم ، في حين ينبغي ان تكون صفة اكثرية اعمال قضاة التحقيق من باب ( القرار ) لا المتابعات الروتينة ، كقرارات التوقيف واطلاق السراح والقبض والقرارات الفاصلة بالافراج او الاحالة اوغلق الدعوى .
4- تأخير الفصل في الدعاوى .
5- اهدار الكثير من الوقت والجهد والنفقات سواء من المحكمة او المحقق او اطراف الدعوى بلا مبرر قانوني او عملي .
6- ضعف المستوى العلمي للمحقيين .
7- ضعف حس المسؤولية والمساءلة لدى المحققين ، وتحولهم الى العمل المكتبي المحض بسبب اتكاليتهم ، ومصادرة دورهم ، وتكراراعمالهم واجراءاتهم من قضاة التحقيق ، بما يجعله بلا قيمة حقيقية رغم اهميتها البالغة .
8- تدني المستوى العملي للعمل التحقيقي ذاته بسبب اعتماده عمليا على المحققين الذين ضعفت كثيرا مبررات تطورهم العملي بسبب اتكاليتهم على قرارات قضائية في العمل التحقيقي في كل كبيرة وصغيرة .
9- اقرار العمل على عرض الاخبارات عن الجرائم على محاكم التحقيق وهي خالية من أي دليل على وقوع الجريمة الخبر عنها حقيقية ، وخالية من اية قرينة او دليل ينسب ارتكاب الجريمة الى شخص ما ، رغم ان العمل التحقيقي في العالم تطور الى اقرار عدم جواز عرض الدعاوى على القضاء الا بعد التيقن الكامل من وجود جريمة ما ووجوب وجود ادلة او قرائن تشير الى ان شخص ما قد ارتكبها والا فلا يجوز عرضها على القضاء . وهذه يتوجب ان ينص عليها صراحة في تعديل لقانون اصول المحاكمات الجزائية .
لكن هل يمكن ان تدخل مظاهر مصادرة دور المحقق تلك في سلطة قضاة التحقيق الاشرافية باعتبار انهم ( أي المحققين ) يعملون ( تحت اشراف قضاة التحقيق ) وفقا لنص المادة ( 51 / أ ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية ؟
الاشراف لغة تعود الى الفعل الثلاثي ( شرف ) وشرف شرفا أي ارتفع وعلا ، وشارف المكان علاه ، وشارف الشئ اطلع عليه ([3] ) من اعلى ([4] ) ، وانطلاقا من هذا المعنى اطلق المحدثون كلمة اشراف علـــــى ( المراقبة المهيمنة ) ([5] ) .
فالاشراف في نص المادة موضوع البحث يعني الاطلاع من الاعلى لاغراض الرقابة المهيمنة ، وقد ترجمه قانون اصول المحاكمات الجزائية في احكام تفصيلية ، كان اكثرها وضوحا جعل مصير الدعوى الجزائية ومصائر المتهمين فيها بيد قضاة التحقيق لضمان اشراف وهيمنة كاملة على العملية التحقيقية ، الا ان الاشراف لا يعني مطلقا مصادرة صلاحيات المحقق بمنع ممارستها او باعادة اجراءاته واعماله التي منحه القانون صلاحية القيام بها ، لان ذلك يعني الحلول محل المحقق وليس الاشراف عليه .
لكل ذلك يتوجب اعادة النظر في تلك الاعراف التحقيقية الخاطئة التي حملت قضاة التحقيق اعباء كبيرة بان ارغمتهم على اعادة اعمال واجراءات التحقيق التي يتخذها المحققون ، واثرت في تضخم اعمالهم وتضخم اعمال المحققين ، وتضخم الاضبارة التحقيقية ، وارهاق الناس ، وتأخير الفصل في الدعاوى الجزائية . فلابد من عرض تلك الاعراف على النصوص والعودة بها الى حكم القانون لتلافي عيوبها الكبيرة التي حلمت القضاء مسؤوليات وارهقته باعمال واجراءات ليست من واجباته واضرت بمسيرة العمل التحقيقي ، واساءت الى موجبات وامنيات فرض القانون وملاحقة الجريمة والفساد بشكل عاجل وموثر وناجع .
ويتوجب ان توضع النصوص بشكل واضح في اي تعديل مرتقب لقانون اصول المحاكمات الجزائية لتقوم على معالجة المساوئ التي ذكرناها من خلال اقرار مبادئ الفصل بين صلاحيات المحقق وصلاحيات قاضي التحقيق ومنع مصادرة دور المحقق او اعادة اجراءاته ومنع قضاة التحقيق من التعدي عليها بنصوص صريحة ومنعهم من القيام بغير الاعمال التحقيقية ذات الطبيعة القضائية فقط دون غيرها .